فصل: فيمَنْ أَحَلَّ جَارِيَتَهُ لِرَجُلٍ فَوَطِئَهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الرَّجُلِ يَطَأُ مُكَاتَبَتَهُ طَوْعًا أَوْ غَصْبًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطَأُ مُكَاتَبَتَهُ - يَغْتَصِبُهَا أَوْ تُطَاوِعُهُ - أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَيُنَكَّلُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ.
قُلْت: أَفيكُونُ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا مِنْ ثَمَنِهَا إنْ غَصَبَهَا نَفْسَهَا أَوْ صَدَاقُ مِثْلِهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا إذَا اغْتَصَبَهَا.
وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَلَا أَرَى لَهَا في ذَلِكَ صَدَاقًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ الِاغْتِصَابِ وَإِنَّمَا سَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يَطَأُ مُكَاتَبَتَهُ فَقَالَ: لَا صَدَاقَ لَهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمُكَاتَبَةَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَطَؤُهَا أَحَدُهُمَا، أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فيطَؤُهَا في الْعِدَّةِ وَيَقُولُ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي.
أَوْ يُعْتِقُ أُمَّ وَلَدِهِ فيطَؤُهَا في الْعِدَّةِ وَيَقُولُ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا فيطَؤُهَا بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ وَيَقُولُ: ظَنَنْت أَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تُبِينُهَا مِنِّي وَأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُهَا مِنِّي إلَّا الثَّلَاثُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَهَا صَدَاقٌ وَاحِدٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ عُذِرَ بِالْجَهَالَةِ.
فَأَرَى في مَسْأَلَتِكَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ أَنْ يَدْرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْخَامِسَةَ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ وَمِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ مَا بَعْدَ الْأَرْبَعِ لَيْسَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، أَوْ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّ مَالِكًا دَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَعَنْ هَؤُلَاءِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي وَطِئَ في الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ بَعْدَ عِتْقِهَا وَوَطِئَهَا في عِدَّتِهَا، أَيَكُونُ عَلَيْهِ صَدَاقٌ سِوَى الصَّدَاقِ الْأَوَّلِ، وَتُوجِبُ لِأُمِّ وَلَدِهِ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ إلَّا الصَّدَاقُ الْأَوَّلُ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ حَنِثَ وَنَسِيَ يَمِينَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الْحِنْثِ زَمَانًا، ثُمَّ ذَكَر أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ مُنْذُ زَمَانٍ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ وَاحِدٌ، الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّى وَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ.
قُلْت: هَذَا في الطَّلَاقِ، أَدْخَلَتْ الْوَطْءَ الثَّانِي في الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى أَوَّلًا.
أَرَأَيْت الَّذِي عَتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، أَيَدْخُلُ وَطْءُ الْحُرِّيَّةِ في الْمِلْكِ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا عُذِرَ بِالْجَهَالَةِ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِعِتْقِ جَارِيَةٍ لَهُ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ، فَحَنِثَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ نَسِيَ يَمِينَهُ فَحَنِثَ ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ أَنَّهُ لَا صَدَاقَ عَلَيْهِ وَيُعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك في أُمِّ الْوَلَدِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ تَرْتَدُّ أُمُّ وَلَدِهِ فيطَؤُهَا وَهُوَ فَقِيهٌ عَالَمٌ لَا يَجْهَلُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ في حَالِ ارْتِدَادِهَا أَتُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُحَدُّ في رَأْيِي، لِأَنَّ مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ عِنْدَ مَالِكٍ لَا حَدَّ عَلَى السَّيِّدِ في ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ كَانَتْ خَالَتَهُ، فَوَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنَّمَا دُفِعَ الْحَدُّ عَنْهُ هَهُنَا لِلْمِلْكِ الَّذِي لَهُ في ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُنَكَّلُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً.

.فيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا ثَلَاثَةٌ وَوَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى الزِّنَا عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَوَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ، أَيُحَدُّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتِمَّ.
قُلْت: فَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَاثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمَا، أَيُحَدُّ هَذَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى وَطْءٍ وَاحِدٍ وَوَصَفُوهُ وَعَرَفُوهُ وَفي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا شَهِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ الثَّلَاثَةُ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ.
قُلْت: لِمَ؟ أَلَيْسَ الزَّوْجُ شَاهِدًا؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ الزَّوْجَ عِنْدَ مَالِكٍ قَاذِفٌ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: الزَّوْجُ قَاذِفٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا فَقَالَ الْقَاذِفُ - حِينَ قَذَفَ إلَى الْقَاضِي: أَنَا آتِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ زَانٍ، أَيُمَكِّنُهُ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ في ذَلِكَ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ عِنْدَ الْإِمَامِ: زَنَيْت بِفُلَانَةِ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِ الْإِمَامِ يُقِرُّ بِذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَقَامَ عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ ضَرَبَ لِلْمَرْأَةِ حَدَّ الْفِرْيَةِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْفِرْيَةِ لِلْمَرْأَةِ وَسَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الزِّنَا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ.
قُلْت: وَيَقْبَلُ رُجُوعُهُ قَالَ: نَعَمْ، إذَا قَالَ: إنَّمَا أَقْرَرْت لِوَجْهِ كَذَا وَكَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ نَزَعَ وَلَمْ يَقُلْ لِوَجْهٍ كَذَا أَوْ وَجْهِ كَذَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا نَزَعَ عَنْ قَوْلِهِ قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُحَدَّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا، أَيُقِيمُ مَالِكٌ الْحَدَّ في إقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَقَرَّ مَرَّةً وَاحِدَةً أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إنْ ثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ.
قُلْت: وَالرَّجْمُ وَالْجَلْدُ في ذَلِكَ سَوَاءٌ، يُقَامُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، هَلْ تَكْشِفُهُ عَنْ الزِّنَا كَمَا تَكْشِفُ الْبَيِّنَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «أَبِصَاحِبِكُمْ جِنَّةٌ؟».
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا رَجَعَ الْمَرْجُومُ عَنْ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا أَخَذَتْ الْحِجَارَةُ مَأْخَذَهَا، أَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ إذَا كَانَ بِكْرًا بَعْدَ مَا أَخَذَتْ السِّيَاطُ مَأْخَذَهَا، أَوْ بَعْدَمَا ضُرِبَ أَكْثَرَ الْحَدِّ، أَيُقْبَلُ مِنْهُ رُجُوعُهُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ يُقَالَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً ظَهَرَ بِهَا الْحَمْلُ فَقَالَتْ: هَذَا الْحَمْلُ مِنْ فُلَانٍ تَزَوَّجَنِي؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
قُلْت وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الزَّوْجُ: صَدَقَتْ قَدْ تَزَوَّجْتهَا؟
قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ في ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى تَكُونَ الْبَيِّنَةُ بَيْنَهُمَا.
قُلْت: أَفيثْبُتُ نَسَبُ هَذَا الْوَلَدِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أُقِيمَ الْحَدُّ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ الْحَدِّ النَّسَبُ.

.في الَّذِي يَزْنِي بِأُمِّهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ خَالَتِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَزْنِي بِأُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أَوْ بِعَمَّتِهِ أَوْ بِأُخْتِهِ أَوْ بِذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ بِخَالَتِهِ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ زِنًا، إنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ، وَإِنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ مِائَةً وَغُرِّبَ عَامًا وَهُوَ رَأْيِي وَهُوَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ زَنَى بِأَمَةِ إنْسَانٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، أَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةُ أُمِّهِ أَوْ أَمَةُ أَبِيهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا الْأَبُ في أَمَةِ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ.
قُلْت: فَالْجَدُّ، أَيُحَدُّ في أَمَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى أَنْ يُحَدَّ الْجَدُّ في أَمَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْجَدِّ.
لَا أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ في وَلَدِ وَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ، كَمَا لَا يُقَادُ في الْأَبِ إذَا فَعَلَ بِهِ الْجَدُّ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْأَبُ، وَيُغَلَّظُ في الدِّيَةِ كَمَا يُغَلَّظُ عَلَى الْأَبِ، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُدْرَأَ عَنْهُ الْحَدُّ.

.فيمَنْ أَحَلَّ جَارِيَتَهُ لِرَجُلٍ فَوَطِئَهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ رَجُلًا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، أَوْ أَجْنَبِيًّا مِنْ النَّاسِ أَحَلَّ جَارِيَتَهُ لِرَجُلٍ مِنْهُ بِقَرَابَةٍ، أَوْ أَحَلَّ جَارِيَتَهُ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ النَّاسِ فَوَطِئَهَا هَذَا الَّذِي أَحَلَّتْ لَهُ؟
قَالَ: كُلُّ مَنْ أَحَلَّتْ لَهُ جَارِيَةٌ - أَحَلَّهَا لَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ ذُو قَرَابَةٍ لَهُ أَوْ امْرَأَتُهُ - فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ إذَا وَطِئَهَا وَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ - جَاهِلًا كَانَ الَّذِي وَطِئَ أَوْ عَالِمًا، حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ.
فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَحَمَلَتْ مِنْهُ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتْبَعُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَمَلَتْ مِنْهُ بِيعَتْ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا كَانَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا كَانَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَحَلَّتْ لَهُ امْرَأَتُهُ جَارِيَتَهَا فَلَمْ يَطَأْهَا فَأُدْرِكَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ الْفَوْتَ عِنْدِي لَا يَكُونُ.
حَتَّى يَقْطَعَ الْوَطْءَ، لِأَنَّ وَجْهَ تَحْلِيلِ هَذِهِ الْأَمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ عَارِيَّةُ فَرْجِهَا وَمِلْكُ رَقَبَتِهَا لِلَّذِي أَعَارَهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ فَهِيَ تُرَدُّ إلَى الَّذِي أَعَارَ الْفَرْجَ أَبَدًا مَا لَمْ يَطَأْهَا الَّذِي أَحَلَّتْ لَهُ، فَإِذَا وَطِئَهَا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فيهَا.
قُلْت: فَإِنْ رَضِيَ سَيِّدُهَا الَّذِي أَحَلَّهَا أَنْ يَقْبَلَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي يَطَأُ الْجَارِيَةَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا وَطْءٌ بِإِذْنٍ مِنْ سَيِّدِهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْلِيلِ، فَلَمَّا وَقَعَ الْوَطْءُ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ.
وَإِنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي وَطِئَ إنَّمَا وَقَعَ الْخِيَارُ فيهِ لِلشَّرِيكِ إذَا لَمْ تَحْمِلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحِلَّهَا لَهُ وَيَقُولُ لِشَرِيكِهِ لَيْسَ لَك أَنْ تَتَعَدَّى عَلِيِّ بِأَمْرٍ فَتُخْرِجَهَا مِنْ يَدَيَّ وَلِي الْخِيَارُ عَلَيْك، وَهَذَا مَا لَمْ يَقَعْ الْحَمْلُ، فَإِذَا وَقَعَ الْحَمْلُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ تُقَوَّمَ عَلَى الَّذِي وَطِئَهَا.
قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ عَلَى هَذَا الشَّرِيكِ الَّذِي وَطِئَ وَلَا مَالَ لَهُ - فَحَمَلَتْ مِنْهُ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ شَيْءُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ حَمَلَتْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا رَأَيْتُ أَنْ يُبَاعَ نِصْفُهَا بَعْدَمَا يَضَعُ حَمْلَهَا فيمَا لَزِمَهُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ.
فَإِنْ كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ الَّذِي بِيعَ بِهِ النِّصْفُ وَفَاءً بِمَا لَزِمَهُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ، أُتْبِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ.
وَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ أَتْبَعَهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمَلَتْ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا.
وَلَوْ مَاتَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ فيهَا كَانَ ضَامِنًا لِنِصْفِ قِيمَتِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَمْ يَضَعْ عَنْهُ مَوْتُهَا لَزِمَهُ وَيَتْبَعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا، وَلَوْ أَرَادَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَطَأْ إذَا كَانَ الَّذِي وَطِئَ مُعْسِرًا أَنْ يَتَمَاسَكَ بِالرِّقِّ وَيُبَرِّئَهُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا، فَذَلِكَ لَهُ وَيَتْبَعُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَيَتْرُكُ نِصْفَ هَذِهِ الْأَمَةِ، وَهُوَ نُصِيبُ الَّذِي وَطِئَ مِنْهَا، فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أَمَةٍ أُعْتِقَ نِصْفُهَا وَيُلْحَقُ الْوَلَدُ بِأَبِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا: أَنْ يُبَاعَ حَظُّ الَّذِي لَمْ يَطَأْ وَيَتْبَعُهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

.في الْمُسْلِمِ يُقِرُّ بِأَنَّهُ زِنَا في كُفْرِهِ وَالْمُسْلِمُ يَزْنِي بِالذِّمِّيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ:

قُلْت: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُسْلَمُ ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ زَنَى في حَالِ كُفْرِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا زَنَى الْكَافِرُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ في كُفْرِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ في ذَلِكَ حَدٌّ.
فَكَذَلِكَ إقْرَارُهُ، لَا حَدَّ عَلَيْهِ في ذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى في حَالِ كُفْرِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَرْبَعَةً مُسْلِمِينَ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنَّهُ زَنَى بِهَذِهِ الذِّمِّيَّةِ، أَيَحُدُّ الْمُسْلِمُ وَتُرَدُّ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ تُرَدُّ إلَى أَهْلِ دِينِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَيُحَدُّ الْمُسْلِمُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟
قَالَ: يُحَدُّ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي يُحْكَمُ فيهَا في بَدَنِهِ، أَيُقِيمُهَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ في قَوْلِ مَالِكٍ بِإِقْرَارِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ جَرَحَ عَبْدًا أَوْ قَتَلَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
فَإِنْ أَحَبَّ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَجْرُوحِ أَنْ يَقْتَصَّ اقْتَصَّ وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَجْرُوحِ أَنْ يَقُولَ: أَنَا أَعْفُو وَآخُذُ الْعَبْدَ الَّذِي أَقَرَّ لِي إذَا كَانَ لِي أَنْ أَقْتَصَّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَّهِمُ الْعَبْدَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ إلَى هَذَا فَلَا يُصَدَّقُ هَهُنَا.
وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا عَمْدًا فَأَرَادَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْمُقِرِّ لَهُ بِقَتْلِهِ أَنْ يَسْتَحْيُوهُ وَيَأْخُذُوهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ، إنَّمَا لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ بِقَتْلِهِ أَوْ يَتْرُكُوهُ في يَدِ سَيِّدِهِ وَلَا يَأْخُذُوهُ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّ هَذَا في بَدَنِ الْعَبْدِ.
فَكُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ مِمَّا يُقَامُ عَلَيْهِ في بَدَنِهِ، فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ عِنْدَ مَالِكٍ مِمَّا هُوَ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.

.في الرَّجُلِ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ في الْقِصَاصِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ الْقِصَاصُ في بَدَنِهِ لِلنَّاسِ وَحُدُودِ اللَّهِ - اجْتَمَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ - بِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ؟
قَالَ: يَبْدَأُ بِمَا هُوَ لِلَّهِ، فَإِنْ كَانَ فيهِ مُحْتَمَلٌ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا هُوَ لِلنَّاسِ مَكَانَهُ أُقِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَإِنْ خَافُوا عَلَيْهِ أَخَّرُوهُ حَتَّى يَبْرَأَ وَيَقْوَى ثُمَّ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا هُوَ لِلنَّاسِ.
لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَسْرِقُ وَيَقْطَعُ يَدَ رَجُلٍ في السَّرِقَةِ: إنَّهُ يُقْطَعُ في السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ رُبَّمَا عُفي عَنْهُ وَاَلَّذِي هُوَ لِلَّهِ لَا عَفْوَ فيهِ، فَمِنْ هُنَاكَ يُبْدَأُ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَاجْتَمَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُرْجَمُ وَلَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَدْخُلُ في الْقَتْلِ.
قُلْت: فَإِنْ رُجِمَ وَكَانَ عَدِيمًا لَا مَالَ لَهُ فَثَابَ لَهُ مَالٌ وَعُلِمَ أَنَّهُ مِمَّا اسْتَفَادَ أَوْ مِمَّا وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصَدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَرِقَتِهِ، أَيَكُونُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ في هَذَا الْمَالِ قِيمَةُ سَرِقَتِهِ أَمْ لَا، وَأَنْتَ لَمْ تَقْطَعْ يَمِينَهُ لِلسَّرِقَةِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَكُونَ لَهُ في هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَالُ قَدْ كَانَ لَهُ يَوْمَ سَرَقَ السَّرِقَةَ، لِأَنَّ الْيَدَ لَمْ يُتْرَكْ قَطْعُهَا، وَلَكِنَّهَا دَخَلَ قَطْعُهَا في الْقَتْلِ، وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: هَلْ يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ في الْمَسَاجِدِ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ في الْمَسَاجِدِ.
قَالَ: وَالْقِصَاصُ عِنْدِي مِثْلُ الْحُدُودِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَ الْقَاضِي الرَّجُلَ الْأَسْوَاطَ الْيَسِيرَةَ في الْمَسْجِدِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ وَالنَّكَالِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَقَرَّ أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ أَنَّهُ زَنَى بِعَشْرِ نِسْوَةٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: حَدٌّ وَاحِدٍ يُجْزِئُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ زَنَى وَهُوَ بِكْرٌ، ثُمَّ أُحْصِنَ ثُمَّ زَنَى بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ حَدٍّ اجْتَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ لِلَّهِ أَوْ قِصَاصٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ مَعَ الْقَتْلِ.
وَالْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الْفِرْيَةَ، فَإِنَّ الْفِرْيَةَ تُقَامُ ثُمَّ يَقْتُلُ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ مَعَ الْقَتْلِ غَيْرُ حَدِّ الْفِرْيَةِ وَحْدَهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُضْرَبُ حَدُّ الْفِرْيَةِ وَحْدَهَا لِئَلَّا يُقَالَ لِصَاحِبِهِ مَا لَك لَمْ يَضْرِبْ لَك فُلَانٌ حَدَّ الْفِرْيَةِ؟ يَعْرِضُ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّك كَذَلِكَ.

.تَرْكُ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ في الْعِدَّةِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً في عِدَّتِهَا وَادَّعَى أَنَّهُ عَارِفٌ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لَمْ يَجْهَلْهُ أَتُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا قَالَ: لَا أَقُومُ السَّاعَةَ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ يُدْرَأَ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ في هَذَا وَلَمْ يُقِمْ الْحَدَّ، وَلَمْ يَقُلْ حِينَ خَطَبَ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً في عِدَّتِهَا لَا يَدَّعِي الْجَهَالَةَ: أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ.
وَإِنَّمَا قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً في عِدَّتِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا.
وَإِنَّمَا ضَرَبَهُمَا عُمَرُ بِالْمُخْفِقَةِ ضَرَبَاتٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ أَتَى امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً في دُبُرِهَا، وَهِيَ لَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ، أَيُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: هُوَ وَطْءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اغْتَصَبَهَا فَجَامَعَهَا في دُبُرِهَا، أَيُوجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرَ مَعَ الْحَدِّ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ بِصَبِيٍّ، أَوَكَبِيرٌ بِكَبِيرٍ، مَا حَدُّهُمْ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصَبِيٍّ رُجِمَ وَلَمْ يُرْجَمْ الصَّبِيُّ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَبِيرٌ بِكَبِيرٍ رُجِمَا جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ يُحْصَنَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُرْجَمُ حَتَّى يُشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَيْهِ كَالْمِرْوَدِ في الْمُكْحُلَةِ مِنْ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ يُرْجَمَانِ جَمِيعًا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اُغْتُصِبَ الْمَفْعُولُ بِهِ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ.
قُلْت: أَفيكُونُ لَهُ الصَّدَاقُ لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا الصَّدَاقُ لِلنِّسَاءِ.
وَالنِّسَاءُ اللَّاتِي يَجِبُ الصَّدَاقُ لَهُنَّ في النِّكَاحِ، وَلَيْسَ يَجِبُ لِهَذَا الصَّدَاقُ في النِّكَاحِ وَهَذَا لَا يُعْقَدُ نِكَاحُهُ بِالْمَهْرِ كَمَا يُعْقَدُ نِكَاحُ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا رُجِمَ بِالْفَاحِشَةِ الَّتِي أَذْنَبَهَا، فَإِنْ كَانَ مَغْصُوبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، مَا يُصْنَعُ بِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى فيهِ النَّكَالَ وَلَا أَرَى فيهِ الْحَدَّ.
قُلْت: فَهَلْ تُحْرَقُ الْبَهِيمَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى أَنْ تُحْرَقَ، لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: «أَنَّ مَنْ غَلَّ أُحْرِقَ رَحْلُهُ». فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا، وَأَعْظَمَ أَنْ يُحْرَقَ رَحْلُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْت: فَهَلْ يَضْمَنُ هَذَا الرَّجُلُ الْبَهِيمَةَ الَّتِي جَامَعَهَا؟
قَالَ: لَا يَضْمَنُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: فَهَلْ يُؤْكَلُ لَحْمُهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَلَيْسَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا مِمَّا يُحَرِّمُ لَحْمَهَا.

.فيمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ أَوْ بَهِيمَةٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا لُوطِيُّ أَوْ يَا عَامِلَ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: يَا لُوطِيُّ. جُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِبَهِيمَةٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْهُ إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ الْحَدَّ، وَيُؤَدَّبُ قَائِلُ ذَلِكَ لَهُ أَدَبًا مُوجِعًا لِأَنَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فيهِ الْحَدُّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ مَا لَا يُقَامُ فيهِ الْحَدُّ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ رَمَاهُ بِذَلِكَ حَدُّ الْفِرْيَةِ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لِلْقُضَاةِ أَنْ يَسْتَشِيرُوا الْعُلَمَاءَ؟ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ: إنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَكُونَ عَارِفًا بِمَا مَضَى مُسْتَشِيرًا لِذَوِي الرَّأْيِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ رَجُلًا، فَلَمَّا قَدَّمَهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ قَالَ الْقَاذِفُ: اسْتَحْلِفْهُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ بِزَانٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَقُولُ يَحْلِفُ في هَذَا، وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْقَاذِفُ الْحَدَّ وَلَا يَحْلِفُ الْمَقْذُوفُ.
وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُقَالُ لَهُ: يَا زَانٍ وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ زَنَى.
أَتَرَى أَنْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ أَمْ يَتْرُكَهُ؟
قَالَ: بَلْ يَضْرِبُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَتَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّرِقَةِ، أَيَسْتَحْلِفُهُ مَعَ شَاهِدِهِ وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ وَلَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ.
قُلْت: الْقِصَاصُ، هَلْ فيهِ كَفَالَةٌ - في قَوْلِ مَالِكٍ - أَوْ الْحُدُودُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا كَفَالَةَ في الْحُدُودِ وَلَا في الْقِصَاصِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ: يَا زَانِي. وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ - ذَلِكَ الرَّجُلِ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ: يَا زَانِي.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُحَدُّ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هَهُنَا إنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ لَمْ تَخْتَلِفْ شَهَادَةُ هَذَيْنِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ هُوَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ في يَمِينٍ، فَإِنْ كَانَتْ في يَمِينٍ في شَهَادَةٍ فَاتَّفَقَتْ الشَّهَادَةُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَيَّامُ، مِثْلَ مَا يَقُولُ: إنْ دَخَلَتْ دَارَ فُلَانٍ فَهِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ. فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ رَجُلٌ يَوْمَ السَّبْتِ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ آخَرُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَنَّهُ حَلِفَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ إنْ حَنِثَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ طَلَّقَ عِنْدَهُ امْرَأَتَهُ في رَجَبٍ، وَآخَرَ في رَمَضَانَ، طَلُقَتْ عَلَيْهِ.
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ حَلَفَ إنْ دَخَلَ دَارَ فُلَانٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ حَلَفَ إنْ رَكِبَ دَابَّةَ فُلَانٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شُهُودٌ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ هُوَ مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ شَجَّ فُلَانًا مُوضِحَةً، وَشَهِدَ آخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَجَّهُ مُوضِحَةً؟
قَالَ: يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ هَهُنَا وَالْفِعْلَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ لَوْ اخْتَلَفَ الْفِعْلُ وَالْإِقْرَارُ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا.
لَوْ قَالَ هَذَا: أَشْهَدُ أَنَّهُ ذَبَحَ فُلَانًا ذَبْحًا.
وَقَالَ الْآخَرُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ.
وَرَأَيْتُ الشَّهَادَةَ بَاطِلًا، وَإِنَّمَا إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَةٌ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَايَنَ الشُّهُودُ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَقَرَّ بِهِ أَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَوَافَقَ الْإِقْرَارُ الشَّاهِدَ الَّذِي شَهِدَ عَلَى الْفِعْلِ، فَذَلِكَ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ وَمَا اخْتَلَفَ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ الْبَيِّنَةُ نَفْسُهَا فَأَبْطَلْتُهَا، كَانَ ذَلِكَ في الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ بَاطِلًا أَيْضًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَاتِ وَهُوَ رَأْيِي.

.صِفَةُ ضَرْبِ الْحُدُودِ وَالتَّجْرِيدِ:

قُلْت: أَيُجَرَّدُ الرَّجُلُ في الْحُدُودِ وَالنَّكَالِ حَتَّى يُكْشَفَ ظَهْرُهُ بِغَيْرِ ثَوْبٍ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُجَرَّدُ.
قُلْت: فَهَلْ تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ وَعَلَيْهَا قَمِيصَانِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْمَرْأَةُ لَا تُجَرَّدُ، فَمَا كَانَ مِنْ ثِيَابِهَا مِمَّا اتَّخَذَتْ عَلَيْهَا مَا يَدْفَعُ الْحَدَّ عَنْهَا أَوْ يَكُونُ عَلَيْهَا مِنْ الثِّيَابِ مَا يَدْفَعُ الْحَدَّ، فَإِنَّ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ يُنْزَعُ وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يُنْزَعُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُتْرَكُ عَلَيْهَا مِنْ الثِّيَابِ إلَّا مَا يُوَارِيهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاذِفَ إذَا قَذَفَ نَاسًا شَتَّى في مَجَالِسَ شَتَّى فَضَرَبْتُهُ لِأَحَدِهِمْ ثُمَّ رَفَعَهُ أَحَدُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ الضَّرْبُ لِكُلِّ قَذْفٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَلَا يُضْرَبُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إنْ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعًا كَانَ قَذْفُهُمْ أَوْ مُفْتَرِقِينَ في مَجَالِسَ شَتَّى.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَذْفَ، أَتَصْلُحُ فيهِ الشَّفَاعَةُ بَعْدَمَا يَنْتَهِي إلَى السُّلْطَانِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَصْلُحُ فيهِ الشَّفَاعَةُ إذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ أَوْ الشُّرَطَ أَوْ الْحَرَسَ.
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ فيهِ الْعَفْوُ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سِتْرًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَالشُّرَطُ وَالْحَرَسُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ، إذَا وَقَعَ في أَيْدِيهمْ لَمْ تَجُزْ الشَّفَاعَةُ بَعْدُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُخَلُّوهُ فَإِنْ عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِ السُّلْطَانِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّفَاعَةَ في التَّعْزِيرِ أَوْ النَّكَالَ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، أَيَصْلُحُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ أَوْ النَّكَالُ فيبْلُغُ بِهِ الْإِمَامَ.
قَالَ مَالِكٌ: يَنْظُرُ الْإِمَامُ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ وَالْعَفَافِ وَإِنَّمَا هِيَ طَائِرَةٌ أَطَارَهَا تَجَافَى السُّلْطَانُ عَنْ عُقُوبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ وَبِالطَّيْشِ وَالْأَذَى ضَرَبَهُ النَّكَالَ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ وَالشَّفَاعَةَ جَائِزَةٌ في التَّعْزِيرِ وَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّفَاعَةِ في الْحُدُودِ.

.فيمَنْ عَفَا عَنْ قَاذِفِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ عَفَا عَنْ قَاذِفِهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ فَأَرَادَ أَنْ يَحُدَّهُ وَلَمْ يَكُنْ كَتَبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُحَدُّ وَالْعَفْوُ جَائِزٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا مُخَنَّثُ.
إنَّهُ يُجْلَدُ الْحَدَّ إنْ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ الْقَائِلُ يَا مُخَنَّثُ، بِاَللَّهِ، أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا.
فَإِنْ حَلَفَ عَفَا عَنْهُ بَعْدَ الْأَدَبِ وَلَمْ يُضْرَبْ حَدَّ الْفِرْيَةِ، فَإِنْ هُوَ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ السُّلْطَانُ ثُمَّ طَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَاذِفَ إنَّمَا تُقْبَلُ يَمِينُهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ، فيهِ تَأْنِيثٌ وَلِينٌ وَاسْتِرْخَاءٌ، فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا وَإِنَّمَا أَرَادَ تَأْنِيثَهُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ، لَيْسَ فيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَمْ تُقْبَلْ يَمِينُهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ قَذْفًا، وَهُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
قِيلَ لَهُ: إنَّ عِنْدَنَا بِالْأَنْدَلُسِ لَا يَعْرِفُونَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَرَادَ بِهِ إلَّا الْفِعْلَ، فَأَرَى أَنْ يُحَدَّ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ يَمِينُهُ.
قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ في رَجُلٍ قَذَفَ رَجُلًا فَعَفَا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِهِ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت الْقَذْفَ، أَيَقُومُ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ النَّاسِ؟
قَالَ: لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا الْمَقْذُوفُ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا وَفُلَانٌ يُكَذِّبُهُمْ وَيَقُولُ: مَا قَذَفَنِي؟ قَالَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى شَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَى الْمَقْذُوفُ أَنَّ الْقَاذِفَ قَذَفَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ السُّلْطَانِ، ثُمَّ إنَّ الْمَقْذُوفَ قَالَ لِلسُّلْطَانِ بَعْدَمَا شَهِدَتْ شُهُودُهُ: إنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورٍ؟
قَالَ: هَذَا قَدْ بَلَغَ الْإِمَامَ وَقَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْحَدِّ وَهُوَ مُدَّعٍ لِلْقَذْفِ، فَلَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ قَالَ: كَذَبَتْ بَيِّنَتِي.
فَلَا يُنْظَرُ في قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَجَبَ، فَهَذَا يُرِيدُ إبْطَالَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَفَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ، فَكَذَلِكَ إكْذَابُهُ الْبَيِّنَةَ لَا يُنْظَرُ في ذَلِكَ بَعْدَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَيُضْرَبُ الْقَاذِفُ الْحَدَّ وَهُوَ رَأْيِي، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَالَ: لَمْ يَقْذِفْنِي؟
قَالَ: هَذَا وَمَا فَسَّرْتُ لَك سَوَاءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَالَ الشُّهُودُ بَعْدَمَا وَجَبَ الْحَدُّ: مَا شَهِدْنَا إلَّا بِزُورٍ؟
قَالَ: يُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُ.
قُلْت: لِمَ دَرَأْتَهُ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ وَلَمْ تَدْرَأْهُ بِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي إيَّاهُمْ؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ لِلْمُدَّعِي حَتَّى يَبْلُغَ السُّلْطَانَ، فَلَمَّا بَلَغَ السُّلْطَانَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ انْقَطَعَ مَا كَانَ لِهَذَا الْمَقْذُوفِ فيهِ مِنْ حَقٍّ، وَصَارَ الْحَقُّ لِلَّهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هَهُنَا قَوْلٌ.
وَالْبَيِّنَةُ إنْ رَجَعَتْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُقِيمَ الْحَدَّ وَلَا بَيِّنَةَ ثَابِتَةٌ عَنْ الشَّهَادَةِ.
قُلْت: تَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقِصَاصَ الَّذِي هُوَ لِلنَّاسِ، إنْ عَفَوْا عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ السُّلْطَانَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.